مواطنون ومقيمون يطالبون بمراعاة الكثافة السكانية قبل تحديد مواقع المساجد

تنتشر دور العبادة في مدينة الدوحة بأعداد كبيرة، ولا يخلو شارع من شوارعها من مسجد أو جامع لا يفصل بينهما أحياناً سوى أمتار قليلة، ويحرص أهل الخير في هذه البلاد على إعمار بيوت الله ورعايتها وتأثيثها، كما تتكفل الجهات الرسمية ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بصيانة وترميم هذه المساجد، وتنتدب لها أئمة ومؤذنين، وتحرص على نظافتها، وتوفير المستلزمات الضرورية للمصلين فيها من أماكن وضوء وحمامات وغيرها.
وتتميز أغلب المساجد حديثة الإنشاء في الدوحة برحابة مساحتها، وقدرتها الاستيعابية الكبيرة، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود مساجد صغيرة تضيق عن استيعاب المصلين في بعض المناطق والأحياء، ويكفي أن ترى اصطفاف المصلين يوم الجمعة على أرصفة الشوارع المجاورة للمسجد في أم غويلينة أو مشيرب أو منطقة الأسواق في الغانم العتيق، في منظر مزعج يستدعي طرح تساؤلات عن الأسباب التي تجعل الهيئات المعنية تترك هذه المساجد دون توسعات، أو على الأقل إضافة مساحات مظللة للمسجد ليحتمي بها المصلون من حرارة الشمس.
خلال رصدنا لهذه الظاهرة، تبين أن أغلب المساجد التي تحتاج التوسعة، والتي تعاني من اكتظاظ كبير، تقع في أحياء كثافتها السكانية أكبر نسبياً إن هي قورنت ببقية مناطق الدوحة، ومن الملاحظات الأخرى التي رصدتها «العرب» في هذا التحقيق استمرار وجود مساجد البورت كابن المؤقتة وسط المدينة، والغريب أن بعضها يقع على مقربة من جوامع كبيرة، وفي أحياء راقية وعلى شوارع رئيسية.


جِباه ساجدة على الإسفلت!
في يوم الجمعة الماضي، أثناء خطبة إمام مسجد في منطقة مشيرب بالقرب من شارع الخليج، كانت صفوف المصلين تمتد خارج أبواب الجامع في كل الاتجاهات، هذا شيخ طاعن في السن يفترش سجادته على بعد عشرات الأمتار من باب المسجد، وذاك شاب أوقف سيارته في الشارع البعيد لتعذر الوصول، وحشود بشرية تصطف في كل الاتجاهات لم تجد موطئ قدم لها داخل المسجد الوحيد في الحي.
يقول محمد السمري: "ظاهرة وجود مساجد ضيقة في أماكن سكنية ذات كثافة كبيرة ليس بالأمر الجديد في الدوحة، فأنا أعيش هنا في هذا الحي منذ 18 عاماً، وهذا المسجد منذ أتيت على هذه الحال، يوم الجمعة إن تأخرت في الحضور حتى اعتلاء الإمام المنبر، فليس أمامي إلا الصلاة على قارعة الطريق، هذا إن وجدت مكاناً أصلاً على الأرصفة المجاورة، وأعتقد أن السبب في عدم توسيع المسجد، ليس في نقص الإمكانات أو عدم رغبة الجهة المعنية في ذلك، لكن الحي أصلاً يعاني من عشوائية في التخطيط العمراني، وبحاجة ماسة لإعادة بناء كاملة من جديد، فلا يوجد متسع لتوسيع المسجد المحاط بالعمارات السكنية من كل جهة".
واعتبر السمري أن منطقة مشيرب التي يقع فيها المسجد بحاجة إلى بناء جامع كبير يتسع لهذه الأعداد الغفيرة من المصلين، ممن يضطرهم ضيق المساجد القليلة في الحي للصلاة على قارعة الطريق، وهو منظر غير حضاري حسب رأيه، لكن "ما باليد حيلة".

توزيع الجوامع مكمن الخلل
يرى سالم المهندي أن المشكلة لا تكمن أبداً في وجود نقص في عدد المساجد الكبيرة، أو الجوامع التي تتسع لهؤلاء المصلين، ولا يمكن أيضاً أن نُحمل -حسب رأيه- الوزارة المعنية مسؤولية هذه الظاهرة، إلا من ناحية الخلل في توزيع المساجد في الأحياء السكنية.
يقول سالم: "مدينة الدوحة يمكننا أن نسميها مجازاً مدينة المآذن، لكثرة ما فيها بحمد الله من جوامع ومساجد، حتى إنها ربما باتت تتفوق بعدد جوامعها على المدن العربية والإسلامية التي يسكنها أضعاف عدد سكان الدوحة، أي أن السبب ليس في قلة المساجد، بقدر ما هو توزيع سيئ لا يمكنني أن أحمل جهة معينة سببه، أولاً لأنني لست على اطلاع على المعايير التي تعتمدها الهيئة المعنية بتحديد مواقع هذه المساجد قبل بنائها، وثانياً لاحتمال وجود تفاصيل فنية تمنع من بناء مسجد كبير في هذا الحي أو ذاك".
وطالب سالم بأن تراعي الجهات المسؤولة عن تحديد مواقع المساجد في الدوحة، الكثافة السكانية لكل حي، وحاجة المنطقة أصلاً لوجود جامع كبير، منوهاً إلى أن الهيئات الخيرية ومن يتبرعون بتكاليف تعمير بيوت الله من الخيِّرين يجب أن يسعوا في الحد من هذه الظاهرة، من خلال التركيز على البناء في المناطق التي تقل فيها المساجد، أو لا تتسع دور العبادة الحالية الموجودة بها لكافة المصلين في الحي، مشيراً إلى وجود جوامع كبيرة في مناطق نائية، لا يتم عدد المصلين فيها الصف الأول لقلتهم!

مساجد "بورت كابن" في الدوحة
تجلٍ آخر من تجليات هذه الظاهرة، نراه في استمرار وجود المساجد المؤقتة المعروفة بمساجد البورت كابن، في بعض أحياء المدينة، وهو ما يعتبر دليلاً ماثلاً على حاجة هذه المناطق لبناء مساجد فيها.
يقول محمد الأمين: من الغريب أن توجد الكثير من هذه المساجد المؤقتة حتى اليوم في شوارع رئيسية بالدوحة، وداخل أحياء راقية مثل الدفنة والهتمي وغيرها.
يقول محمد: "من المنطقي أن توجد المساجد المؤقتة أو ما يعرف بالجاهزة أو المتنقلة أو كما يسمونها بالبورت كابن في الأحياء الجديدة أو النائية، أو في العزب الخارجية، أما أن نراها اليوم وسط الدوحة وفي مناطق رئيسية فهذا يدل على حاجة بعض الأحياء للمساجد، أو بسب التوزيع العشوائي للجوامع، ففي حين نرى مثلاً جامعين متقابلين لا يفصل بينهما سوى شارع في منطقة الوعب، يمكنك أن تحصي أكثر من خمسة مساجد بورت كابن على طريق سلوى، وعشرات منها في المناطق الأخرى مثل المرة الشرقية والعزيزية وغيرها".
ونوه محمد إلى أن بعض هذه المساجد لا تقام بالضرورة بسبب الحاجة إليها، ضارباً المثال بمن يقومون بتركيبها قرب محلاتهم التجارية، أو معارض السيارات والكراجات، ومطالباً في الوقت ذاته بتشديد الرقابة من قبل الوزارة على مثل هذه الحالات حتى لا يتحول الأمر لفوضى.

دور الجمعيات الخيرية
يرى أحمد الشمري أن توجيه أغلب المشاريع الخيرية خارج البلاد يجب أن يوازيه بالقدر ذاته تركيز على الداخل، منوهاً إلى أن بناء المساجد والجوامع الكبيرة في المناطق الفقيرة في إفريقيا وآسيا، عمل جليل، لا يمكن إلا أن نثمنه ونشد على أيادي من يعملون عليه، من الجمعيات والهيئات الخيرية التي وصلت مشاريعها إلى مختلف قارات العالم.
يقول أحمد: "من غير اللائق أن نرى مساجد صغيرة وضيقة في الدوحة، أو أن تدخل إلى جامع وتجد أنه بحاجة للصيانة، بينما تنشئ جمعياتنا مساجد عملاقة في بلدان أخرى، يجب أن تكون الأولوية للمشاريع المحلية، وأنا على يقين أن الوزارة والجهات المعنية تولي اهتماماً كبيراً لهذا الأمر، ولكن يجب أن تختفي تماماً مثل هذه الظواهر من مدننا، ولا أرى أن هذا الأمر مستحيل".
وأكد الشمري أن اكتظاظ المساجد أيام الجمعة لا يعبر بالضرورة عن أزمة في أعدادها أو مساحتها، بل في العادة تتوجه الناس بكثرة للصلاة، وفي الغالب يفضل البعض أن يصلي في المسجد القريب دون تكبد عناء البحث عن جامع أو مسجد كبير، وهو سبب آخر من أسباب الظاهرة وفق رأي أحمد الشمري.

مراعاة الكثافة السكانية
أما عبدالله محمود فيقول: "تختلف الكثافة السكانية بطبيعة الحال من منطقة لأخرى في أي مدينة، ومن المعروف أن بعض المناطق في الدوحة يزيد عدد سكانها عن أحياء أخرى بشكل كبير لعدة عوامل، لعل من أهمها أن هذه المناطق تقع وسط المدينة وبالقرب من المناطق الحيوية فيها، كالأسواق والمجمعات الإدارية، وفي الغالب يلجأ العمال للسكن في هذه المناطق لقربها من أماكن عملهم، وبالتالي ستكتظ مساجدها بالمصلين يوم الجمعة، يضاف لذلك أن هذه الأحياء في الغالب أحياء قديمة، والمساجد المبنية فيها صممت في فترة كان عدد السكان أقل مما هو عليه الآن".
وطالب عبدالله بأن يتم توسيع المساجد الصغيرة في الأحياء المكتظة، سواء بشراء المنازل المجاورة لها وإضافتها للمسجد، أو ببناء مساجد جديدة في المساحات الفضاء الكثيرة في مختلف مناطق الدوحة.
[u]